يواصل الساحر البرتغالي مانويل جوزيه كتاباته الرائعة على موقع سوبر الاماراتي ليكتب هذه المرة تحت عنوان " أشهد أنني قد عشت " ليتغنى بحبه للنادي الأهلي وكيف بدأ بناء فريق جديد في القلعة الحمراء بحوار بسيط مع المايسترو صالح سليم .
كما يتحدث الساحر عن طريقة اختياره لصخرة الدفاع وائل جمعة وقصة انضمام جيلبرتو وافيلينو للقلعة الحمراء واصابة الأخير بمرض السل الذي كان السبب في انهاء علاقته بالنادي الأهلي .
ونترككم مع المقال بالكامل كما كتبه الساحر جوزيه لموقع سوبر الاماراتي .
أشهد انني قد عشت..!
ارجو أن تسامحني أيها الشاعر العظيم بابلو نيرودا لأنني سأستعير منك عنوان أحد كتبك، لأنني عشت بالفعل تلك الحياة. ففي شهر يونيو القادم سأكون قد أكملت 33 عاماً في عالم التدريب، وأشعر أنها من أجمل فترات حياتي، أشعر بالفرح والفخر لما أنجزته فيها، وأنني عشت رحلة رائعة جميلة.
لقد كتب الشاعر التشيلي سيرته الذاتية بعنوان "اشهد انني قد عشت" وانا ايضا "اشهد انني قد عشت"، ليس كشاعر لكن كمدرب، عشت حياة حافلة مثيرة، وعندما انظر الى الوراء كي اتأمل تلك الحياة اجد نفسي مجبراً على تذكر السنوات الست والنصف سنة التي عشتها في النادي الاهلي المصري لانها كانت أجمل فترة في حياتي، سواء على المستوى الشخصي والانساني او مستوى العمل والاحتراف.
هذه الفترة منحتني كل شيء جميل في حياتي، لا أتحدث عن النواحي المادية بل عن الصداقة والحب والحنان في مصر بلدي الثاني.
والغريب انني كنت في شك وريبة وحيرة كبيرة في زيارتي الاولى للقاهرة.
بعد ان توصلت لاتفاق مع مسؤولي النادي الاهلي الذين قابلوني في البرتغال، طلبت منهم عدة شرائط للفريق لأتعرف عليه عن قرب.
ولكن عندما بدأت اللقطات تتوالي أمامي، شريط تلو الاخر قفز الى ذهني سؤال "من اين، وكيف ابدأ؟".
كانت حالة الفريق في غاية السوء لدرجة انني اعتقدت انني لن استمر اكثر من ثلاثة اشهر مع النادي.
لكنني كنت قد نسيت كلمتي للمسؤولين، لذلك سافرت بعد قليل الى القاهرة لاشاهد في الملعب لقاء نهائي الكأس بين الاهلي وغزل المحلة، وكي أوقع على العقد بصورة رسمية.
وبعد مشاهدة المباراة كان الانطباع السائد- دون مبالغة - هو الحزن والاسى، لان ما شاهدته في الملعب كان نسخة مماثلة لما شاهدته في شرائط الفيديو!
فمن الطبيعي في النهائي ان يتفرق اللاعبون على انفسهم، ويقدموا أفضل ما لديهم، لكن ذلك لم يكن الحال في الملعب، فما شاهدته كان شيئا فظيعا.
لكن قبل كل شيء في الحياة – كان هناك ايضا جانب ايجابي، لذلك سألت المسؤول الجالس بجواري – بدون تردد - من هو ذلك المدافع الطويل الاصلع الذي يلعب في دفاع المحلة؟ وأجابني - وائل جمعة.
وسألته ان كان يمكن شراؤه وضمه للفريق، وأكد لي امكانية ضم جمعة، واسمه يعني احد ايام الاسبوع بالعربية، وشعرت وقتها انني مثل روبنسون كروزو المغامر الشهير، "عندي جمعة لكن ليس عندي جزيرة"، لم يكن المشهد مشجعا، وأدركت اللحظة الاولى ان الفريق بحاجة لتجديد شامل.
لكنني لم اكن اعرف اللاعبين، وكان لدى الفريق لاعبان أجنبيان هما النيجيري اسحق ابراهيم اوال، وابراهيم صنداي، وبعد ذلك عقدت اجتماعا مع علاء عبدالصادق للتعرف على احوال الفريق وعلمت منه ان العديد من اللاعبين يجيدون اللعب فقط في الشوط الثاني!
وتساءلت مندهشا: صديقي، الا يلعبون جيدا في الشوط الاول؟ وأجابني: لا.
فقلت له بمزيج من السخرية والدعابة: اذن ينبغي ان نشارك بفريق في الشوط الاول وفريق آخر في الشوط الثاني!
ومن حسن حظي ان المنتخب المصري كان قد احرز المركز الثالث في بطولة العالم للناشئين تحت 20 سنة في الارجنتين في ذلك العام.
وانضم الينا اللاعبون الدوليون الصغار في معسكر الاعداد في البرتغال الذي كنا بدأناه قبلها باربعة ايام.
واتذكر انهم كانوا سعداء بالميداليات البرونزية، وفي نفس الوقت كانوا في غاية الارهاق.
لذلك لم أشركهم في اية مباراة، لكنني ادركت انهم بارقة امل وسط الظلام الدامس.
صالح سليم
بعد ثلاثة اشهر من التدريب في النادي، بدأ ضوء الامل يتلاشى، وطلبت من المدير الاداري ترتيب لقاء مع رئيس النادي صالح سليم.
كان اللاعبون يتدربون بصورة رائعة، وكأنهم في استعراض، لكن الموقف يتبدل تماما في المباريات، ويبدو وكأنهم لاعبون آخرون.
كل واحد منهم يلعب في واد بعيدا عن زملائه، وكأنهم يقدمون فقرات منفصلة في السيرك. كان شيئا رهيبا.
المهم ان رئيس النادي رحب بي، ولم اتمالك نفسي فقلت له: سأترك الفريق، لانني لن استطيع الفوز بأية بطولة بهؤلاء اللاعبين.
ونظر في عيني للحظات قليلة ثم قال لي: لو فعلت ذلك ستكون اول مدرب في تاريخ النادي يترك الفريق قبل نهاية الموسم.
ولزمت الصمت وانا استمع لكلماته التي بدت مخلصة وامينة، وتابع صالح سليم حديثه: "هذه الخطوة ليست في صالحك وصالحنا، اتخذ القرارات التي تراها مناسبة، ولا تقلق بشأن البطولات حتى لو لم نكسب اية بطولة لن تحدث مشكلة، اعتبر انه ليس لدينا فريق، ونريدك ان تؤسس فريقا جديدا.
وتحدثت معه عن التناقض بين حالة اللاعبين في التدريب والمباريات، وقلت له انني لم احضر فقط لبناء فريق جديد، بل وللفوز بالبطولات، لكن ما شاهدته حتى الان لا يبشر بالخير بالنسبة للأمرين.
واخبرت صالح سليم ان هناك شرطاً وحيد لاستمراري هو ضم لاعبين على مستوى عال احدهما رأس حربة والاخر جناح ايسر.
وطمأنني الرئيس بانه سيبذل قصارى وسعه لتوفير ما طلبت بشرط ان يجد لاعبين على مستوى مرتفع يتناسبون مع النادي الاهلي.
شكوك
طلبت ضم جيلبرتو وفلافيو، لكن ناديهما الانجولي بيترو طلب مبلغا كبيرا، يصل الى مليوني دولار اذا لم تخن الذاكرة.
وانضم جيلبيرتو، وبدلا من فلافيو انضم افيلينو، وهو مهاجم دولي ايضا.
وطلبت اجراء فحص طبي للاعبين قبل ضمهما وذلك خلافا لما كان شائعا في النادي وقتها.
وبعد وقت قصير علمنا ان افيلينو لن ينضم لأن هناك خللاً ما في رئته.
وطلبت اعادة الفحوصات، ولم تؤكد الاعادة النتيجة الاولية. ولذك تم ضمه.
ولكن بعد فترة بسيطة بدأت اتعجب من سلوكه، لقد كان لاعبا مشاكسا وقويا وسريعا، لكنه اصبح الآن ضعيفا وبطيئا سريع الغضب، وفي نفس الوقت بدأ يفقد وزنه بشدة، ويصاب بالبرد، ويعرق كثيرا، ولم اتمالك نفسي فسألته عما يشعر به واذا كان يريدني أن أساعده، لكنه اخبرني انه لا يعاني من اي شيء فتركته.
لكنه جاءني في اليوم التالي و قد ارتسم الحزن على وجهه، واعترف لي بانه يعاني من مشاكل في التنفس وارتفاع في درجة الحرارة وبسرعة انتابني القلق، ولم ادعه ينصرف.
وتأكدت الشكوك، فقد كان مصابا بمرض السل وفي مرحلة نقل العدوى.
وبسرعة تم ادخاله المستشفى، وبذلك لم يتبق معي سوى جيلبرتو والناشئين تحت 20 سنة، واستطعت ان ابني فريقا آخر فزت به بدوري ابطال افريقيا، وهي البطولة التي كانت غائبة عن الاهلي 14 عاما. كما فاز النادي بالكأس السوبر الافريقية لاول مرة في تاريخه.
ولكن للاسف فاننا خسرنا الدوري في ذلك الموسم. وكان السبب المحلة.
وفي يوم تخلى فيه الحظ عنا، وفي وقت حرج من المسابقة كان يمكن ان نكسب يومها 7 او 8 - صفر ولكن المحلة احرزت هدفها في الدقائق الاخيرة، وخسرنا اللقب بسبب تلك المباراة.
وعلى اية حال فان الحياة مليئة بالانتصارات والهزائم، والافراح والاحزان وهذه هي سنة الحياة.
غدا سيلتقي الاهلي والزمالك مجدداً وأنا أعلم مع من ستكون مشاعري.