[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]اليمنى على اليسرى في الصلاة هو مذهب الإمام مالك.
قال الإمام مالك في الموطأ : (( 15-باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة )) حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال : (( من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، و وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ، يضع اليمنى على اليسرى ، و تعجيل الفطر ، و تأخير السحور )) .
و حدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال : (( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة . قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك )) . انتهى
قال السيوطي في تنوير الحوالك (ص236) عند شرح حديث الموطأ:
... روى الطبراني في الكبير بسند صحيح عن بن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة)) وروى الطبراني عن أبي الدرداء رفعه قال ((ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على الشمال في الصلاة)) وروى بن عبد البر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ثلاث من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة)) وروى سعيد بن منصور عن عائشة رضي الله عنها قال ((ثلاث من النبوة ...)) فذكرت مثل حديث أبي هريرة وروى الطبراني عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه ((وسلم ثلاثة يحبها الله عز وجل تعجيل الإفطار وتأخير السحور وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة))
ينمي ذلك أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/155): ((إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة)) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح وقد تقدمت لهذا الحديث طرق في الصلاة.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث بتعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة)) رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه يحيى بن سعيد بن سالم القداح وهو ضعيف وعن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يحبها الله تعجيل الإفطار وتأخير السحور وضرب اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة رواه الطبراني في الاوسط وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى وهو ضعيف. اهـ
قلت (أبو عبد الله) وحديث ابن عباس الذي ذكره السيوطي قد رواه البيهقي في الكبرى (2/29) وقال: أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأ أبو أحمد بن عدي ثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي بمكة ثنا يحيى بن سعيد بن سالم القداح ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود عن أبيه عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث بتعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة)) تفرد به عبد المجيد وإنما يعرف بطلحة بن عمرو وليس بالقوي عن عطاء عن بن عباس ومرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الصحيح عن محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة رضي الله عنها قالت ثلاث من النبوة فذكرهن من قولها أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأ علي بن عمر الحافظ ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم قال منصور حدثنا عن محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة رضي الله عنها قالت ثلاث من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. اهـ
و في صحيح البخاري (1/259) : باب وضع اليمنى على اليسرى
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال ثم كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم قال إسماعيل ينمي ذلك ولم يقل ينمي. اهـ
قال الحافظ في الفتح () : قوله باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة أي في حال القيام قوله كان الناس يؤمرون هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي... ثمّ قال: وقد روى بن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره والبزار ثم صدره وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه وهلب بضم إلها وسكون اللام بعدها موحدة وفي زيادات المسند من حديث على أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف واعترض الدائى في أطراف الموطأ فقال هذا معلول لأنه ظن من أبي حازم ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه الخ لكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فأنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم.
وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح بن الموطأ شيء يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور فروى عن بن مسعود قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى إسناده حسن .
قال بن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك بن المنذر وغيره عن مالك غيره وروى بن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة ومنهم من كره الإمساك ونقل بن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة. اهـ
وفي صحيح مسلم (1/301) باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه:
401 حدثنا زهير بن حرب حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصف همام حيال اليسرى ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه.اهـ
قلت (أبو عبد الله) وهو في المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم (2/24)
وفي السنن الكبرى للبيهقي (2/28)
وفي موارد الظمآن (1/124) باب وضع اليد اليمنى على اليسرى.
حديث رقم 447 أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا وهب بن جرير وعبد الصمد قالا حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت حجر بن العنبس يقول حدثني علقمة بن وائل عن وائل بن حجر أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوضع اليد اليمنى على اليد اليسرى فلما قال ولا الضالين قال آمين وسلم عن يمينه وعن يساره.اهـ
وفي مسند أبي عوانة (1/428) باب إباحة الالتحاف بثوبه بعد تكبيرة الافتتاح ووضع يده اليمنى على اليسرى والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي يديه في صلاته ويخرجهما إذا كبر وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه قبل قوله سمع الله لمن حمده.اهـ
وفي سنن الترمذي (3/388) باب ما جاء في رفع اليدين على الجنازة. ثم روى بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه واختلف أهل العلم في هذا فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة وهو قول بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثوري وأهل الكوفة وذكر عن بن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة لا يقبض يمينه على شماله ورأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة قال أبو عيسى يقبض أحب إلي. اهـ أي: أنّ بعض أهل العلم استدلوا على القبض في صلاة الجنازة قياسا على الصلوات الخمس المفروضة.
وقال أبو داود في سننه (1/27): باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة :
755 حدثنا محمد بن بكار بن الريان عن هشيم بن بشير عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي عثمان النهدي عن بن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى. قال الألباني: حديث حسن.
759 حدثنا أبو توبة ثنا الهيثم يعني بن حميد عن ثور عن سليمان بن موسى عن طاوس قال ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة قال الألباني: صحيح. اهـ
وفي سنن الدارمي: (1/312) باب قبض اليمين على الشمال في الصلاة
1241 أخبرنا أبو نعيم ثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى قريبا من الرسغ. اهـ
جاء في بداية المجتهد (1/99) المسألة الخامسة
اختلف العلماء في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة فكره ذلك مالك في الفرض وأجازه في النفل ورأى قوم أن هذا الفعل من سنن الصلاة وهم الجمهور والسبب في اختلافهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى وثبت أيضا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك وورد ذلك أيضا من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد.
فرأى قوم أن الاثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الاثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة وأن الزيادة يجب أن يصار إليها.
ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الاثار التي ليست فيها هذه الزيادة لأنها أكثر ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة وإنما هي من باب الاستعانة ولذلك أجازها مالك في النفل ولم يجزها في الفرض وقد يظهر من أمرها أنها هيئة تقتضي الخضوع وهو الأولى بها.اهـ
قلت: أما قول ابن رشد غفر الله له ((والسبب في اختلافهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى)) غير مسلّم بل باطل. كيف وقد تقدم نقل الأحاديث التي تدل على خلاف ذلك.
قال الشوكاني في النيل : (( جاء عن النبي r في وضع اليمنى على اليسرى عشرون حديثاً عن ثمانية عشر صحابياً و تابعياً )) .
و قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : (( قال أبو عمر : (( لم يرد فيه خلاف عن النبي r يعني لم يرو أحد عن النبي r سدل اليدين لا في حديث صحيح و لا ضعيف )
قلت (أبو عبد الله) أما ما يروى عن بعض التابعين من قولهم بإرسال اليدين في الصلاة فقد فصّل ابن عبد البر رحمه الله تعالى وأطال الكلام في هذه المسألة وجاء بروائع وعجائب تشدّ إليها الرحال فقال في تمهيده:
وأما وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ففيه آثار ثابتة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلّم... قال أبو عمر لم تختلف الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا الباب ولا أعلم عن أحد من الصحابة في ذلك خلافا إلا شيء روي عن ابن الزبير أنه كان يرسل يديه إذا صلى وقد روي عنه خلافه مما قدمنا ذكره عنه وذلك قوله صلى الله عليه وسلّم وضع اليمين على الشمال من السنة وعلى هذا جمهور التابعين وأكثر فقهاء المسلمين من أهل الرأي والأثر .
فأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه والليث بن سعد إلى سدل اليدين في الصلاة قال مالك وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة إنما يفعل ذلك في النوافل من طول القيام قال وتركه أحب إلي هذه رواية ابن القاسم عنه.
وقال ابن القاسم لا بأس بذلك في الفريضة والنافلة وهي رواية المدنيين عنه.
وقال الليث سدل اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطيل القيام فيعيا فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى.
قال عبد الرزاق رأيت ابن جريج يصلي في إزار ورداء مسدلا يديه.
وقال الأوزاعي من شاء فعل ومن شاء ترك وهو قول عطاء.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود بن علي والطبري يضع المصلي يمينه على شماله في الفريضة والنافلة وقالوا كلهم وذلك سنة مسنونة .
قال الشافعي ثم الصدر وروي عن علي بن أبي طالب أنه وضعهما على صدره وعن طاوس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشهدهما على صدره وهو في الصلاة وقال الثوري وأبو حنيفة وإسحاق أسفل السرة وروي ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي ولا يثبت ذلك عنهم وهو قول أبي مجلز وقال أحمد بن حنبل فوق السرة وهو قول سعيد بن جبير قال أحمد ابن حنبل وإن كانت تحت السرة فلا بأس به.
قال أبو عمر:
قد ذكرنا أن الصحابة لم يرو عن أحد منهم في هذا الباب خلاف لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلّم فيه.
وروي عن الحسن وابراهيم أنهما كانا يرسلان أيدهما في الصلاة وليس هذا بخلاف لأن الخلاف كراهية ذلك وقد يرسل العالم يديه ليري الناس أن ليس ذلك بحتم واجب.
وقد ذكر ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال لا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة .
وذكر عن عمر بن هارون عن عبد الله بن يزيد قال ما رأيت سعيد بن المسيب قابضا يمينه على شماله في الصلاة كان يرسلهما.
وهذا أيضا يحتمل ما ذكرنا .
وذكر عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن العيزار قال كنت اطوف مع سعيد بن جبير فرأى رجلا يصلي واضعا إحدى يديه على الأخرى هذه على هذه وهذه على هذه فذهب ففرق بينهما ثم جاء.
وهذا يحتمل أن يكون رأى يسرى يديه على يمينه فانتزعها على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صنعه بابن مسعود.
وقد روي عن سعيد بن جبير ما يصحح هذا التأويل لأنه ثبت عنه أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى في صلاته فوق السرة.
فهذا ما روي عن بعض التابعين في هذا الباب وليس بخلاف لأنه لا يثبت عن واحد منهم كراهية ولو ثبت ذلك ما كانت فيه حجة لأن الحجة في السنة لمن اتبعها ومن خالفها فهو محجوج بها ولا سيما سنة لم يثبت عن واحد من الصحابة خلافها .اهـ
قلت: (أبو عبد الله) تبيّن ممّا سبق أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يثبت عنه أنّه صلى مسدل اليدين بل ثبت عنه خلاف ذلك فقد تقدم حديث وائل ابن حجر في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وأنّه كان يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.
وهذا وحده يكفي كدليل على سنّية وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة. كيف إذا أضيف إلى ما سبق نصوص عامّة ونصوص خاصة تؤكد هذه السنّة وتأمر بها.
أما النصوص العامّة، فمن ذلك قوله عليه السلام: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري.
أما النصوص الخاصّة، فمن ذلك ما رواه الإمام مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال : (( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة . قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك )).
فهل بعد هذا البيان من شك في كون وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة من سنن الهدى التي كان يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
فهذا هو مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذه هي صفة صلاته التي نقلت إلينا عبر الثقاة
قد يقول قائل: إنّ ما ذكرته لا يتوافق مع ما عنونت به بحثك هذا، فأنت أثبتّ سنّية وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ولم تثبت أنّ هذا هو مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى؟
فأقول: لقد تعمدت أن أقدم بين يدي هذا البحث إثبات سنيّة هذه الهيئة في الصلاة لأنّ أغلب الذين ناقشتهم من متعصبي المالكية (ومالك منهم براء) لا يعتقدون مشرعية القبض أصلا. فهم يزعمون أنّ إرسال اليدين في الصلاة هو السنّة وأنّ خلافه هو البدعة.
وأعود إلى أصل الموضوع فأقول:
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: ...ذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي زياد مولى آل دراج قال ما رأيت فنسيت فإني لم أنس أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا ووضع اليمنى على اليسرى.
قال وحدثنا وكيع قال حدثنا عبد السلام بن شداد العبدي أبو طالوت عن غزوان بن جرير الضبي عن أبيه قال كان علي إذا قام في الصلاة وضع يمينه على رسغه فلا يزال كذلك متى ما ركع إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده....
قال وحدثنا عبد الأعلى عن المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء أنه كان يأمر أصحابه أن يضع أحدهم يده اليمنى على اليسرى وهو يصلي.
قال وحدثنا وكيع قال حدثنا يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي في قوله عز وجل ((فصل لربك وانحر)) قال وضع اليمين على الشمال في الصلاة رواه حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن عقبة بن صهبان عن علي مثله سواء .
ذكر الأثرم قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن عقبة بن صهبان سمع عليا يقول في قول الله عز وجل ((فصل لربك وانحر)) قال وضع اليمنى على اليسرى تحت السرة.
قال وحدثنا العباس بن الوليد قال حدثنا أبو رجاء الكفي قال حدثني عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عباس ((فصل لربك وانحر)) قال وضع اليمنى على الشمال في الصلاة.
وروى طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه قال إن من سنن المرسلين وضع اليمين على الشمال وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور.
وأكثر أحاديث هذا الباب في وضع اليد على اليد لينة لا تقوم بها حجة أعني الأحاديث عن التابعين في ذلك وقد قدمنا في أول هذا الباب آثارا صحاحا مرفوعة والحمد لله ...
قال أبو عمر : روي عن مجاهد أنه قال إن كان وضع اليمين على الشمال فعلى كفه أو على الرسغ ثم الصدر وكان يكره ذلك ولا وجه لكراهية من كره ذلك لأن الأشياء أصلها الإباحة ولم ينه الله عن ذلك ولا رسوله فلا معنى لمن كرهه هذا لو لم يرو إباحته عن النبي صلى الله عليه وسلّم فكيف وقد ثبت عنه ما ذكرنا وكذلك لا وجه لتفرقة من فرق بين النافلة والفريضة ولو قال قائل إن ذلك في الفريضة دون النافلة لأن أكثر ما كان يتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بيته ليلا ولو فعل ذلك في بيته لنقل ذلك عنه أزواجه ولم يأت عنهن في ذلك شيء ومعلوم أن الذين رووا عنه أنه كان يضع يمينه على يساره في صلاته لم يكونوا ممن يبيت عنده ولا يلج بيته وإنما حكوا عنه ما رأوا منه في صلاتهم خلفه في الفرائض والله أعلم. اهـ التمهيد (20/67 إلى 80) بتصرف.
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله:
فيه وضع اليمنى على اليسرى في القيام وفي الباب حديث سهل بن سعد الساعدي قال ((كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلمه إلا ينمي ذلك)) رواه مالك في موطئه عن أبي حازم بن دينار عنه وبوب عليه فقال وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة وقال في الباب عن عبدالكريم بن أبي المخارق أنه قال من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة تضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناء يعني المتأني بالسحور .
قال أبو عمر:
تضع اليمنى على اليسرى من كلام مالك وهذه الترجمة والدليل والتفسير صريح في أن مذهبه وضع اليمنى على اليسرى. اهـ من حاشية ابن القيّم (2/294)
وفي شرح الزرقاني (1/453-455):
وقوله يضع اليمنى على اليسرى من قول مالك ليس من الحديث وهو أمر مجمع عليه في هيئة وضع اليدين إحداهما على الأخرى... وروى أشهب عن مالك لا بأس به في النافلة والفريضة وكذا قال أصحاب مالك المدنيون. وروى مطرف وابن الماجشون أن مالكا استحسنه قال ابن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه وروي أيضا عنه إباحته في النافلة لطول القيام وكرهه في الفريضة ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث تمسك معتمدا لقصد الراحة. اهـ
وفي المدونة الكبرى () : الاعتماد في الصلاة والاتكاء ووضع اليد على اليد قال وسألت مالكا عن الرجل يصلي إلى فيتكىء على الحائط فقال أما في المكتوبة فلا يعجبني وأما في النافلة فلا رأى به بأسا قال ابن القاسم والعصا تكون في يده عندي بمنزلة الحائط قال وقال مالك إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد وكان لا يكره الاعتماد قال وذلك على قدر ما يرتفق به فلينظرا رفق ذلك به فليصنعه قال وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة قال لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه قال سحنون عن ابن وهب عن سفيان الثوري واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. اهـ
وعند القرطبي: وقال علي رضي الله عنه ومحمد إبن كعب في قوله تعالى: ((فصل لربك وانحر)) المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة وروي عن إبن عباس أيضا. .. ثمّ قال: وأما ما روى عن علي عليه السلام ((فصل لربك وأنحر)) قال وضع اليمين على الشمال في الصلاة خرجه الدارقطني. فقد أختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول لا توضع فريضة ولا نافلة لأن ذلك من باب الإعتماد ولا يجوز في الفرض ولا يستحب في النفل. الثاني لا يفعلها في الفريضة ويفعلها في النافلة إستعانة لأنه موضع ترخص.
الثالث يفعلها في الفريضة والنافلة وهو الصحيح لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على اليسرى من حديث وائل إبن حجر وغيره قال إبن المنذر وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وحكى ذلك عن الشافعي وأستحب ذلك أصحاب الرأي ورأت جماعة إرسال اليد وممن روينا ذلك عنه إبن المنذر والحسن البصري وإبراهيم النخعي.
قلت وهو مروي أيضا عن مالك قال إبن عبدالبر إرسال اليدين ووضع اليمنى على الشمال كل ذلك من سنة الصلاة. انظر تفسير القرطبي (20/219-220)
وجاء في حاشية ابن الحاج على (( ميارة الصغير )) فيها ما نصه :
و في القبض ثلاثة أقوال أخر :
أحدها : الاستجابة مطلقاً و هو قول مالك في رواية مطرف و ابن الماجشون عنه في (( الواضحة )) و قول المدنيين من أصحابنا و اختاره غير واحد من المحققين كاللخمي و ابن العربي و ابن عبد البر و ابن رشد و ابن عبد السلام ، و عده ابن رشد في المقدمات من فضائل الصلاة ، و تبعه عياض في قواعده و نسبه في الإكمال للجمهور ، و به قال أئمة المذاهب : الشافعي و أبو حنيفة و أحمد و سفيان الثوري و إسحاق بن راهوية و أبو ثور و داود بن علي و أبو جعفر الطبري و غيرهم .
الثاني : إباحة القبض فيهما ، و هو قول مالك في سماع العرينيين و قول أشهب في رسم شك في طوافه من سماع ابن ابن القاسم من جامع العتبية .
الثالث : منعه فيهما حكاه الباجي ، و تبعه ابن عرفة و هو من الشذوذ بمكان ، قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد المسناوي في رسالة في القبض : (( و إذا تقرر الخلاف في أصل القبض كما ترى وجب الرجوع إلى الكتاب و السنة كما قال تعالى : ] فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول [ و قد وجدنا سنة رسول الله r قد حكمت بمطلوبية القبض في الصلاة بشهادة ما في الموطأ و الصحيحين و غيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن ، فالواجب الانتهاء إليها و الوقوف عندها و القول بمقتضاها )) أ.هـ.
قال صاحب كتاب (( المتوني و البتار )) : (( فإن وضع اليمين على الشمال في الصلوات كلها فرضاً و نفلاً هو مذهب مالك و قوله الذي لم يقل غيره و لا نقل أحد عنه سواه و هو المذكور في الموطأ الذي ألفه بيده و قرئ عليه طول عمره و رواه عنه الآلاف من تلامذته و أصحابه ، و استدل عليه بالحديث الصحيح الذي نقله عنه رواة الفقه و حملته من أصحابه المدنيين كمطرف بن عبد الله و عبد الملك ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشوني و عبد الله بن نافع المخزومي و أصحابه المصريين كأشهب بن عبد العزيز و عبد الله بن عبد الحكم و أصحابه العراقيين كمحمد بن عمر الواقدي و غيره ، و هو مقتضى رواية على بن زياد التونسي عن أصحابه القيروانيين و هو الذي نقله ابن المنذر الإمام الحافظ الذي تصدر لنقل المذاهب بالأسانيد الصحيحة و الطرق المتعددة عن الأئمة المجتهدين ، و هو الذي لم ترد السنة المطهرة و الأحاديث النبوية إلا به عن سيد المرسلين r و على آله الطاهرين )) أ. هـ. بتصرف من كتاب (الحسام الماحق على كل مشرك ومنافق) للعلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله تعالى.
قلت: إنّ الذي يجب المصير إليه بعد كل ما تقدم ما يلي:
• لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولا عن أحد من أصحابه أنّه كان يرسل يديه في الصلاة.
• أنّ وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة هو السنّة وخلافه بدعة
• أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم ((كان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد)) أبو داود والنسائي وابن خزيمة (1/54/2) وصححه ابن حبّان (485) و((كان أحيانا يقبض باليمنى على اليسرى)) النسائي والدارقطني بسند صحيح.
• أنّ العلماء اختلفوا في موضع القبض. والصحيح الراجح الذي لا مرية فيه هو وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر لما رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة (1/54/2) وصححه ابن حبّان (485) أنّه صلى الله عليه وسلّم ((كان يضعهما على الصدر)) وهو مذهب إسحاق بن راهويه وأحمد ابن حنبل وهو ما رجحه القاضي عياض المالكي و الإمام الألباني عليهم رحمة الله. (راجع صفة الصلاة للألباني ص88)
• أنّ الروايات عن مالك اختلفت، فأشهب وابن الماجشون ومطرف وابن المنذر وأصحاب مالك المدنيون ينقلون عنه استحسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة مطلقا. وأمّا ابن القاسم فنقل عنه قولين:
الأول: الكراهة مطلقا.
الثاني: التفريق بين الفريضة والنفل. فكرهها في الأولى وأجازها في الثانية.
• ما دامت الروايات اختلفت وجب الرجوع إلى ما كتبه مالك بيده في كتابه الموطأ. قال العلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي في (الحسام الماحق):
ألف الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ و درسه ستين سنة و تواتر عنه كل ما فيه . فكل قول ينسب إليه خلاف ما في الموطأ فإما أن يتفق الرواة عنه لذلك القول و إما أن يختلفوا عنه ، فإن اتفقوا و ذلك محال فرواية الموطأ مقدمة على اتفاقهم ، لأن رواته أكثر و أحفظ و لأنه كتبه بيده ، و هو متواتر عنه . فيرد كل ما خالفه و أما إذا اختلفوا فلا يحل لأحد أن ينسب إليه شيئاً مما اختلفوا فيه إلا إذا عرف التاريخ . فحينئذ يمكنه أن ينسب إليه آخر القولين أو الأقوال و حينئذ تتعارض تلك الرواية مع ما في الموطأ إن كانت مخالفة له فتسقط ، و يقدم عليها ما في الموطأ .
ثمّ قال : قال محمد تقي الدين : قد تبين لك أن مذهب النبي r و مذهب مالك هو وضع اليمنى على اليسرى بلا شك ، و ليس مقصودنا أن ثبوت هذه السنة و مشروعيتها لجميع المسلمين يتوقف على رواية مالك لها أو عمله بـها فإن الذي أوجب الله على جميع المسلمين قبل وجود مالك و في زمان صباه و جهله و في زمان علمه و إمامته هو اتباع رسول الله r و هو الواجب على جميع المسلمين إلى يوم القيامة و لم يجعل الله حجة على أحد من الناس – رجلاً بعينه – إلا رجلاً واحداً ، هو محمد رسول الله ، فمن اتبعه نجا و إن لم يسمع بمذهب أصلاً ، و من خالفه هلك و شقي و لا ينقذه زعمه أنه يتمسك بمذهب مالك لأن مالكاً قد تبرأ منه كما تقدم في كلام ابن عبد البر .
و مالك و غيره من أئمة أهل السنة ينقلون لنا سنة رسول الله r فنقلناها منهم إذا صحت بالقبول و نعمل بـها و نترحم عليهم و لا نفضل أحداً منهم على أحد ، و الذي نسأل عنه في قبورنا و في الحشر هو محمد رسول الله r .... اهـ