أطفال شوارعنا

أطفال الشوارع.. قنبلة موقوتة ومشكلة اجتماعية باتت تهدد أمن المجتمع المصري في الثلاثة عقود الأخيرة. والاستجواب الذي قدمه النائب سعد الحسيني في مجلس الشعب أشار إلي استفحال هذه الظاهرة وأورد أرقامًا مذهلة تؤكد تزايد عدد الحالات من 1400 حالة عام 1987 إلي مليوني حالة عام 2007, وأن 60% من الحالات توجد في شوارع القاهرة وحدها, أي أن نصيب القاهرة من أطفال الشوارع مليون ومائتا ألف حالة.
وللعلم أن 26% منهم يعيشون منحرفين أسفل الكباري, وفي الحدائق العامة, واستشهد بتصريحات الدكتورة مشيرة خطاب التي حذرت من خطورة الاستغلال الجنسي لهؤلاء الأطفال ، خاصة الذكور ، حيث قالت إن 95% منهم تحولوا إلى شواذ . وأكدت أن كثيرًا من الفتيات دون الرابعة عشرة من أطفال الشوارع يحملن في أيديهن أطفالاً لا آباء لهم, وأن الغالبية العظمي من الأطفال يتعاطين المخدرات ويمارسن أعمالاً منافية للآداب في الطرقات ليلاً. وأضافت أن هؤلاء الأطفال يمثلون حوالي 3% من سكان مصر.
والسؤال الذي يفرض نفسه: ما أسباب زيادة انتشار أطفال الشوارع? وكيف نعالج الآثار المترتبة عليها?
ذكرت أحدث دراسة لمركز الأرض أن الظاهرة تعد في غالبيتها ذكورية حيث يمثل الأولاد.. الذكور.. أعلي نسبة في فئة أطفال الشوارع إذا ما قورنت بنسبة البنات, وعلي الرغم من قلة عددهن أمام الذكور إلا أنهن يواجهن مشكلات أكثر ويحتجن إلي خدمات ورعاية أكثر، حيث تمثل الفتاة بالنسبة لبعض الأسر أو لمن يتولى رعايتها مصدرًا للرزق، حيث تتواجد في الشارع إما للتسول وإما للعمل كخادمات بالمنازل أو بغرض ممارسة الدعارة, الأمر الذي يترتب عليه ظهور جيل جديد من فئة الأمهات الصغيرات.
أما عن الحالة الاقتصادية :- فغالبًا ما تتولي المرآة مسئولية رعاية الأسرة اقتصاديًا رغم وجود الأب الذي عادة ما يكون عاطلاً لارتفاع معدلات البطالة بأنواعها بين أرباب أسر هؤلاء الأطفال وتدني مستوي الأجور في مقابل ارتفاع وتضخم الأسعار.
كما أشارت الدراسة إلي تمركز نسبة 60% من أطفال الشارع في القاهرة الكبرى, ونسبتهم في الوجه القبلي 20%, ويرجع ارتفاع نسبة الأطفال في القاهرة إلي الجاذبية التي تتميز بها حياة المدينة من حيث تنوع فرص العمل.
مجتمع غريب - :
وعن طبيعة الأعمال التي يمارسونها فهي: بيع المناديل أو بعض السلع البسيطة أو مسح السيارات أثناء إشارة المرور أو التسول وادعاء المرض أو العمل في مواقف الأتوبيسات وسيارات الأجرة ومسح الأحذية بالإضافة إلي ورش الميكانيكا, وفي بعض الأحيان يتم استغلال هؤلاء الأطفال من قًبل القادة (وهم أطفال الشارع الذين قضوا سنوات طويلة في الشارع وانخرطوا في مجتمع الجريمة والانحراف مما جعلهم محترفي شارع). وتتراوح الفئات العمرية بين أطفال الشوارع ما بين 4 سنوات و15 سنة قدرت نسبة 9% منهم من الأطفال الأقل من 9 سنوات, ونسبة 39% للأطفال في سن 15 سنة, ونسبة 9% للأطفال من سن 15 سنة فأكثر.

أما الحالة التعليمية:- فتنتشر الأمية بين معظمهم, وقد أظهرت الدراسة أن 94% منهم لم يسبق لهم الالتحاق بالمدارس.
الدولة هي السبب- :
ويشير الدكتور أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم الأخلاق بجامعة عين شمس- إلي أنه رغم استفحال الظاهرة واتجاهها نحو الجريمة بجميع أنواعها إلا أنهم يحتاجون العون والإشفاق.
وأشار إلي محاربة بعض الجهات الأمنية في الدولة للجمعيات إلي تقوم بالمجودات الذاتية ومنعها من ممارسة أعمال الخير ومساعدة أبناء هذه العشوائيات التابعة إليها الجمعيات في مختلف المحافظات. وعن تجربته الذاتية مع جمعية بني قليوب الخيرية أوضح أن الجمعية كانت تتكفل برعاية 133 أسرة من ملبس ومأكل ورعاية صحية.
فما كان من رجال الداخلية إلا أن داهموا مقر الجمعية, وقاموا بإلغاء محتوياتها في الشارع والآن الجمعية مغلقة ويسكنها البوم, ولا أدري لمصلحة من تحارَب أعمال الخير?
واجبات الدولة -:
ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمعي البحوث الإسلامية بالأزهر وفقهاء الشريعة بأمريكا ، أن هؤلاء الأطفال والعناية بتربيتهم وتعليمهم بما يؤهلهم للحياة العامة ، هو أحد واجبات الدولة لأنها مسئولة عن رعاية أبنائها صغاراً وكباراً ، وفي كل أطوار حياتهم ، ويجب ألا يقصر المسئولون في رعاية طائفة من الأمة ، حيث تتفاقم المشكلات ، فتستخدم الفتيات في تجارة الجنس ويستخدم الفتيان في عمليات العنف والإرهاب والبلطجة والسرقة والاغتصاب ، والمشكلة الثالثة هي طمس هوية هؤلاء الشباب فلا يعرفون لهم وطناً ولا يدافعون عن عقيدة ، وبالتالي يفتقدون روح الانتماء والولاء لدينهم ومجتمعهم .
ويناشد الدكتور محمد رأفت عثمان منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية ومتخذي القرار والمسئولين الاهتمام بهذه المشكلة الخطيرة التي قد تهدم المجتمع ، وذلك من خلال تقديم الدعم والمساندة ونشر الوعي للأسر الفقيرة والحرص على رعايتها حتى لا تتفاقم هذه المشكلة وتصبح ظاهرة يصعب القضاء عليها ، فقد تكون النسبة حالياً لا تتجاوز 3% إلا أن إهمالها يؤدي إلى تفشيها في المجتمع.
ورحب الدكتور عثمان بالحكم الذي أصدرته محكمة دسوق لشئون الأسرة مؤخراً والقاضي بإلزام وزير المالية بصفته مديراً ورئيساً للخزانة العامة للدولة ، وممثلاً لبيت المال في العصر الحديث ، بأن يؤدي للمدعية ( عزيزة محمد متولي شرف الدين ) الفقيرة والعاجزة عن الكسب ، نفقة شهرية مقدارها ثلاثمائة جنيه منذ تاريخ رفع الدعوى في 17 يناير 2006 وكلفته بإرسال النفقة – في كل شهر – إلى بنك ناصر الاجتماعي – فرع كفر الشيخ – لكي تقبضها المدعية من هناك ،
وأضاف: هذا يعد أول حكم شرعي يلزم الدولة بالإنفاق على إحدى الفقيرات ، ويحيي مبدأ شرعياً من مبادئ الشريعة الإسلامية ، ظل مهملاً لأكثر من ألف عام ، ألا وهو : ” التزام الدولة بالإنفاق على كل فقير عاجز عن الكسب ، لا يجد قريباً يعوله ” ، عن طريق ” بيت مال المسلمين ” .